أديب..! أديب..! أديب اسكت..! أديب انتبه..! أديب ركز..! أديب اهدأ..! أديب اجلس في مقعدك..! أديب لا تترك مقعدك..! أديب لا تجب قبل أن تُسأل..! أديب لا تجب قبل أن أُنهِي السؤال..! أديب لا تقاطع الآخرين..! أديب أكمل حل المسألة..! أديب لا تزعج زملاءك..! أديب لا تضرب أخاك ولا أختك وإلا...؟ كثيراً ما تتكرر هذه المطالب، في البيت، في المدرسة، ولكن أديب في وادٍ والآخرون في وادٍ آخر! هو في حركة دائمة ... يجري، يتسلق، يقفز، يتشقلب، يضرب هذا، ويركل ذاك، يثرثر، يقاطع الآخرين، يتطفل عليهم، فينبذه الآخرون، ويعيش وحيداً.. متضايقاً من هجرهم له .. يشكو قلة الأصحاب، وعدم فهم الآخرين له. في الصف ... يتململ، يحدث فرقعة بأصابعه، يحرك يديه، يضرب الأرض بقدميه، يترك مقعده، يطوف حول المقاعد في الصف .. يدخل المعلم الصف ويبدأ في الشرح، هو يسمع صوتاً يخرج من فم المعلم، لكنه لا يدرك كلام المعلم ولا ينتبه إلى شرحه لأنه منهمك في وخز زميله الجار، وشد شعر زميله الآخر الذي يجلس أمامه، وما أن يطلقا صرخات الألم حتى يتظاهر بأن لا علم له بما حدث .. يزجره المعلم ويوبخه ويهدده، فيُقسم باللهِ ثلاثاً ألا يكرر فعلته، لكنها لحظات، مجرد لحظات، حتى يستأنف مضايقاته وإزعاجاته، ينفذ صبر المعلم، وعندها لا مفر من العقاب .. يُعاقب .. يندم .. ويعاهد نفسه والآخرين على ترك هذه السلوكيات .. يستمر المعلم في شرح الدرس .. يسمع زامور سيارة في الشارع المجاور للمدرسة، فيندفع مسرعاً نحو النافذة.. ليستطلع الأمر!! ولكن الأمر موجود في الصف! هو يدرك ذلك، لكنه لا يستطيع العمل بما هو مطلوب، يسأل المعلم سؤالاً حول موضوع الدرس الذي قام بشرحه، فيبادر فوراً إلى الإجابة قبل أن يكمل المعلم السؤال، ولكن أي إجابة هذه؟! لا علاقة لها بالسؤال لا من قريب ولا من بعيد !! فيضحك الطلاب، وتعم الفوضى في الصف، ويزمجر المعلم مهدداً. يُقرع جرس الاستراحة، فيخرج الطلاب من صفوفهم إلى الساحة، وإلى المقصف بانتظام، إلا أديب يندفع مُسرعاً مصطدماً بهذا، ومُبعداً بيديه من يعترض طريقه، ويتوجه إلى الساحة .. يطوف حولها مرات ومرات.. ثم يندفع نحو المقصف فيجد طابوراً طويلاً .. لكنه يتجاهل هذا الطابور ويزيح من طريقه صاحب الدور، فيُحدث استهجاناً وعراكا!! يتدخل المعلم المسؤول عن النظام ويفض الاشتباك، طالباً منه مغادرة المكان! يذهب إلى الساحة، يرى مجموعة من الطلاب الذين لا يعرفهم لأنهم من فصل آخر، يتحدثون بهدوء فيقاطعهم ويتطفل عليهم، فيزجرونه وتنشب المعركة .. يهرب إلى زاوية أخرى، يرى طفلاً حاملاً "ساندويشة" فيخطفها منه ويطارده الطفل وهو يصرخ ويبكي، ويشاركه في الملاحقة طلاب آخرون.. فتدب الفوضى ويهرع المعلمون لاستطلاع الأمر.. إنه أديب.. إنه أديب!! وبعد ساعات يعود أديب إلى بيته يقفز من الحافلة المدرسية مسرعاً صوب البيت، يدق الباب بيديه، ويركله بقدميه، ثم يرن جرس البيت، ويواصل الضغط عليه.. فتخرج الأم مرعوبة مذهولة! ما هذا يا أديب؟ تقول الأم، يرد عليها بصراخ، لماذا تأخرتِ عن فتح الباب؟ يندفع إلى داخل البيت مسرعاً فيرمي حقيبته بعيداً، ويفتح باب الثلاجة بشدة، يريد أن يشرب، فيسكب الماء على ملابسه، تطلب منه أمه تغيير ملابسه، فيماطل ويسوف حتى ينهي مهماته. يركض ويتدحرج ويركل الكرة بقدميه، فتصرخ الأم ويهرب إلى غرفة النوم لينط على السرير ويحدث فيها فوضى فتبدو وكأن زلزالاً أصابها، تصيح الأم .. وتهدد، فيزيد، وتتوعد فيتجاهل الأمر حتى يأتي الأب وينال حظه من العقاب! وفي المساء تبدأ معاناة الأم مع تدريسه ومساعدته في حل الواجب البيتي، تطلب منه إحضار كتبه كي تساعده في دروسه، فيماطل، هي تلح وهو يؤجل، لكنها تضطر إلى إجلاسه بالقوة، تسأله عما أخذ من دروس في المدرسة، فيدعي أنهم لم يأخذوا جديداً في ذلك اليوم، ولم يُعطوا واجباً منزلياً، تتصل بابن الجيران الذي هو في صفه، فيزودها بمعلومات مغايرة. تبدأ في شرح الدرس، تشرح .. وتشرح .. وتشرح .. وهو غائب تماماً عن المسرح. تسأل .. لا جواب .. هي في وادٍ وهو في وادٍ آخر! تقرر الأم مراجعة المدرسة كي تشكو همها علها تجد مساعدة تخفف من معاناتها .. تلتقي بمدير المدرسة فتسمع أذناها ما لم ترَ عيناها في البيت!! ما العمل إذاً؟ يقرر مدير المدرسة عقد اجتماع لمناقشة حالة أديب مع الوالدين ومعلميه والمرشد الاجتماعي فيها فيخرج الاجتماع بتوصيات، وخطة علاجية سلوكية تربوية، تناط مسؤولية تنفيذها بالمرشد الاجتماعي والمعلمين، وتتابع بعض إجراءاتها في البيت من قبل الوالدين. مضت شهور وشهور.. اختفت سلوكات، وتضاءلت حدة أخرى، ولكن بقيت بعض السلوكات التي تؤثر على تحصيله الدراسي وتكيفه الاجتماعي، فيعقد اجتماع آخر لتقييم التقدم الحاصل، فينصح المرشد الاجتماعي الوالدين بعرض الحالة على اختصاصي أمراض نفسية؟! يُصعق الوالدان من سماع هذا الاقتراح!! وما دخل الطبيب النفسي في حالة أديب؟ يجيب المرشد: إن ابنكم أديب، يعاني من "اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة". يقول الوالدان معاً باستهجان: اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة؟! هل هو مرض؟ وهل يحتاج ابننا إلى دواء للتخلص منه؟!
|